EN

النشأة


قصة بئر زمزم في الرواية الإسلاميَّة كما وردت عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاريّ، (كتاب أحاديث الأنبياء) هي أنَّه لما قدم النَّبي إبراهيم عليه السَّلام إلى مكة مع زوجته هاجر وابنهما إسماعيل عليهما السَّلام وأنزلهما موضعًا قُرب الكعبة التي لم تكن قائمةً آنذاك، ولم يكن مع هاجر سوى قربة ماءٍ صغيرة مصنوعة من الجلد سرعان ما نفدت، ومن ثم تركهما إبراهيم عليه السَّلام وحدهما في ذلك المكان المقفر وغادر ولم يلتفت إلى هاجر رغم نداءاتها المُتكررة؛ لكنَّه أخبرها أنَّ ما فعله هو بأمر الله، فرضيت وقرَّت، ومضى إبراهيم عليه السَّلام حتى جاوزهم مسافة وأدرك أنَّهم لا يبصرونه؛ فدعا ربَّه بقوله: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ سورة إبراهيم، الآية: 37.
وبعدما نفد الماء استهلَّ الطفل بالبكاء، ولم تكن أمُّه تطيق رؤيته يبكي، وذهبت تسير طلبًا للماء، فصعدت جبل الصَّفا ثم جبل المروة، ثم الصَّفا ثم المروة، وكررت ذلك سبع مرات تمامًا كما السَّعي الذي شرع من بعدها، فلما وصلت المروة في المرَّة الأخيرة سمعت صوتًا فقالت: أغث إن كان عندك خير، فقام صاحب الصَّوت وهو جبريل عليه السَّلام بضرب موضع البئر بعقب قدمه؛ فانفجرت المياه من باطن الأرض، وظلّت هاجر تحيط الرمال وتكومها لتحفظ الماء، وكانت تقول وهي تحثو الرمال: زم زم، زم زم، أي – تجمع باللغة السريانية -، وهذا السبب في التَّسمية. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه عن نبينا محمد صلى الله علي وسلم: “رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينًا معينً”.
وقد اندثر البئر ذات مرَّة في العصر الجاهليّ ولم يُعرف له مكان، وقبل دخول الإسلام حلم جدُّ الرسول عبد المطلب -آنذاك- بمن يدلُّه على مكان البئر ويطلب منه فتحه، حيث أنَّه قد رأى أنَّ أحدهم قائلًا له احفر طيبة، لأنَّها للطيبين والطيبات من ولد إبراهيم وإسماعيل عليهما السَّلام، وقيل له: احفر برة، وقيل: احـفر المضنونة ضننت بها على النَّاس إلا عليك، ودلَّ عليهـا بعلاماتٍ ثلاث: بنقـرة الغراب الأعصم، وأنها بين الفرث والدم، وعند قرية النَّمل. ورُوي أنَّه لما قام ليحفرها رأى ما رسم له من قرية النَّمل ونقـرة الغراب، ولم يرَ الفرث والـدم، فبينما هو كذلك ندت بقـرة لجازرها، فلم يدركها حتى دخلت المسجد الحرام، فنحرها في الموضع الذي رسم له، فسال هناك الفرث والدم، فحفرها عبد المطلب حيث رسم له. وقيل لعبد المطلب في صفتها أنها لا تنزف أبدًا، وهذا برهان عظيم لأنها لم تنزف من ذلك الحين إلى اليوم قط، وقد وقع فيها حبشي فنزحت من أجله، فوجدوا ماءها يثور من ثلاثة أعين أقواها وأكـثرها ماء عين من ناحية الحجر الأسود. رواه الدارقطني.