اكتشف زمزم

نبذة

يقع بئر ماء زمزم في الحرم المكيِّ بمدينة مكة المُكرمة على بعد ٢١ مترًا شرقي الكعبة المُشرفة، وله تاريخٌ قديمٌ، يرجعه المؤرخين إلى 2000 سنة قبل الميلاد كحدٍّ أقصى، في عهد النَّبي إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السَّلام، يبلغ عُمقه 30 مترًا، وتصبُّ فيه عددٌ من عيون الماء القديمة بقِدم البئر نفسه، وقد أفادت الدِّراسات أنَّ العُيون المُغذية للبئر تضخُّ ما بين 11 إلى 18.5 لتراً من الماء في الثَّانية.

جاء ذكر ماء زمزم في عدّة أحاديث من سيرة النَّبي محمد صلى الله عليه وسلم تروي أنَّ هذا الماء المُبارك نبع من الأرض بعدما نبشها المَلك جبريل عليه السلام بعقِبه «أو بجناحه» لنبي الله إسماعيل (صغيرًا) وأمه هاجر، وذلك حين نفد ما عندهما من ماءٍ وطعام، بعدما تركهما نبي الله إبراهيم عليه السَّلام بأمر ربَّانيٍّ في الوادي القفر الذي لا زرع فيه ولا ماء، وجهدت هاجر وأتعبها البحث ساعيةً بين الصَّفا والمروة -سبع مرَّاتٍ- ناظرة في الأفق البعيد علَّها تجدُ مغيثًا يُغيثها دون جدوى، ثم رجعت إلى ابنها فسمعت صوتًا؛ فقالت: “أسمعُ صوتك فأغثني إن كان عندك خير” فضرب جبريل الأرض؛ فظهر الماء، فأحاطته أم إسماعيل برملٍ ترده خشية أن يفوتها، قبل أن تأتي بالوعاء؛ فشربت ودرت على ابنها. وقد روى البُخاريُّ هذه الواقعة مُطولة جدًّا في صحيحه.

بئر زمزم من العناصر المُهمة داخل المسجد الحرام، فهو يُعدُّ أشهر بئرٍ على وجه الأرض، وذلك بحسب ما أخبرت الأحاديث النَّبويَّة عنه بأنَّه ماءٌ مُبارك، وفيه شِفاءٌ للأسقام؛ ممَّا جعل له مكانةً رُوحيَّةً مُتميزةً، فتعلَّقت به أفئدة المسلمين به عامَّة، والمُؤدين لشعائر الحجِّ والعُمرة خاصَّة.

النشأة

قصة بئر زمزم في الرواية الإسلاميَّة كما وردت عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاريّ، (كتاب أحاديث الأنبياء) هي أنَّه لما قدم النَّبي إبراهيم عليه السَّلام إلى مكة مع زوجته هاجر وابنهما إسماعيل عليهما السَّلام وأنزلهما موضعًا قُرب الكعبة التي لم تكن قائمةً آنذاك، ولم يكن مع هاجر سوى قربة ماءٍ صغيرة مصنوعة من الجلد سرعان ما نفدت، ومن ثم تركهما إبراهيم عليه السَّلام وحدهما في ذلك المكان المقفر وغادر ولم يلتفت إلى هاجر رغم نداءاتها المُتكررة؛ لكنَّه أخبرها أنَّ ما فعله هو بأمر الله، فرضيت وقرَّت، ومضى إبراهيم عليه السَّلام حتى جاوزهم مسافة وأدرك أنَّهم لا يبصرونه؛ فدعا ربَّه بقوله: ۞رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ۞ سورة إبراهيم، الآية: 37.

وبعدما نفد الماء استهلَّ الطفل بالبكاء، ولم تكن أمُّه تطيق رؤيته يبكي، وذهبت تسير طلبًا للماء، فصعدت جبل الصَّفا ثم جبل المروة، ثم الصَّفا ثم المروة، وكررت ذلك سبع مرات تمامًا كما السَّعي الذي شرع من بعدها، فلما وصلت المروة في المرَّة الأخيرة سمعت صوتًا فقالت: أغث إن كان عندك خير، فقام صاحب الصَّوت وهو جبريل عليه السَّلام بضرب موضع البئر بعقب قدمه؛ فانفجرت المياه من باطن الأرض، وظلّت هاجر تحيط الرمال وتكومها لتحفظ الماء، وكانت تقول وهي تحثو الرمال: زم زم، زم زم، أي – تجمع باللغة السريانية -، وهذا السبب في التَّسمية. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه عن نبينا محمد صلى الله علي وسلم: “رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينًا معينً”.

وقد اندثر البئر ذات مرَّة في العصر الجاهليّ ولم يُعرف له مكان، وقبل دخول الإسلام حلم جدُّ الرسول عبد المطلب -آنذاك- بمن يدلُّه على مكان البئر ويطلب منه فتحه، حيث أنَّه قد رأى أنَّ أحدهم قائلًا له احفر طيبة، لأنَّها للطيبين والطيبات من ولد إبراهيم وإسماعيل عليهما السَّلام، وقيل له: احفر برة، وقيل: احـفر المضنونة ضننت بها على النَّاس إلا عليك، ودلَّ عليهـا بعلاماتٍ ثلاث: بنقـرة الغراب الأعصم، وأنها بين الفرث والدم، وعند قرية النَّمل. ورُوي أنَّه لما قام ليحفرها رأى ما رسم له من قرية النَّمل ونقـرة الغراب، ولم يرَ الفرث والـدم، فبينما هو كذلك ندت بقـرة لجازرها، فلم يدركها حتى دخلت المسجد الحرام، فنحرها في الموضع الذي رسم له، فسال هناك الفرث والدم، فحفرها عبد المطلب حيث رسم له. وقيل لعبد المطلب في صفتها أنها لا تنزف أبدًا، وهذا برهان عظيم لأنها لم تنزف من ذلك الحين إلى اليوم قط، وقد وقع فيها حبشي فنزحت من أجله، فوجدوا ماءها يثور من ثلاثة أعين أقواها وأكـثرها ماء عين من ناحية الحجر الأسود. رواه الدارقطني.

فضائل زمزم

لماء زمزم مكانة وفضائل كثيرة عند المسلمين، منها:

أنَّه أُولى الثَّمرات التي أعطاها الله لخليله النَّبي إبراهيم عليه السَّلام عندما رفع يديه وقال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ سورة إبراهيم، الآية: 37

.

وأنَّ ماء زمزم من الآيات البيِّنات في حرم الله، قال عنه ابن الديبع في حدائق الأنوار: «ومن الآيات البيِّنات في حرم الله: الحجر الأسود، والحطيم، وانفجار ماء زمزم بعقب جبريل عليه السَّلام، وأنَّ شُربه شفاءٌ للسقام وغذاءٌ للأجسام بحيث يُغني عن الماء والطعام».

كما أنَّه يُعدُّ من أعظم النِّعم والمنافع المشهودة التي ذُكرت في القرآن، قال تعالى: ﴿لِيَشْهُدوا مَنافِعَ لَهُمْ﴾ سورة الحج، الآية: 28.

ومن الفضائل لماء زمزم خاصيَّة الاستشفاء به، كما جاء في الحديث النبوي: «إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ»، وزاد غير مسلم «وَشِفَاءُ سُقْمٍ»، قال الثَّعالبيّ في ثِمار القلوب: «فكم من مُبتلى قد عُوفي بالمقام عليه والشُّرب منه والاغتسال به بعد أن لم يدع في الأرض ينبوعًا إلاّ أتاه واستنفع فيه».

ثبت أنَّ رسول الله صل الله عليه وسلم شرب ماء زمزم وهو قائمٌ، روى البُخاريُّ عن العبَّاس بن عبد المطلب أنَّه قال: «سقيت رسولَ الله من زمزم وهو قائم».

وقد نصَّ علماء المسلمين على أنَّ الدعاء بعد الفراغ من شُربه مِما تُرجى إجابته. روى أحمد والحاكم والدارقطني عن ابن عباس، وأحمد عن جابر عن رسول الله صل الله عليه وسلم، أنه قال: «ماءُ زمزم لما شُرِب له».

ولم يثبت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال دعاءً مخصوصاً عند شُربه ماء زمزم، لكن روى الدارقطني عن ابن عباس أنَّه كان إذا شرب ماء زمزم قال: «اللهم إنِّي أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء»، فأولى لمن شرب ماء زمزم أن يشربه بنيةٍ صالحةٍ، ثم يدعو الله بعد فراغه.

explore shape

مؤلفات عن زمزم

شراكات